انسانية عربية: ضرورية الراتب الأساسي
Arab Humanist: The Necessity of Basic Income
نهاد ناصيف
وسام سلمان – مهندس لبناني
تطل علينا لولو في كتاب “انسانية عربية: ضرورية الراتب الأساسي” للكاتبة والرسامة نهاد ناصيف التي تعتبر اعوام عملها مع الفنان المميز مارسيل خليفة من أغنى سنين وتجارب حياتها إنسانيا، لتروي لنا قصة فتاة عربية صدمت براءتها تقاليد مجتمع هو نفسه أرادها بريئة. فثارت عليه وانطلقت متمردة متعثرة بفقرها. مستلهمة الاسم من مسرحية لولو للأخوين رحباني والسيدة فيروز حيث تقول في أغنيتها: حبستوني انتو وصرخ انا بريّة… وبرد وما اقدر اغفى وصور ع هالحيطان – شمس كبيرة بهالليل اقعد حدا ت ادفا. فرغم اختلاف قصتهما وزمنهما لكن لا .زال الألم واحساسهما بالخيبة نفسه مشترك.
هذا الكتاب ليس مجرد رواية تحاكي مشاعر ومخيلة كثيرين منا بسرد سلس جريء وأسلوب أنيق فقط، بل نجد فيه مزيج أدبي وفني ونظري فريد يزيد من غناه ومكنونه الثقافي. ففيه الرواية ولوحات فنية تعبيرية جميلة بريشة المؤلفة تجسد مشاعر شخصية الرواية بمختلف مراحلها، بالإضافة الى طرحه مصطلح وفكرة “الراتب الأساسي للجميع”. هذه الفكرة التي ظهرت بعد تعاظم وسائل انتاج الثروة وانحسارها بيد طبقة قليلة من الناس، مما زاد الأعباء كثيرا على الطبقات المهمشة والفقيرة لتحقيق ذاتها في هذه الحياة. فكانت هذه الفكرة لتخفف من المشكلة عبر راتب اساسي يحرر الانسان من هذه الأعباء القاهرة، مما يؤدي بدوره الى زيادة في حرية الاختيار وبالتالي زيادة في الإبداع والسعادة في حياة البشر بشكل عام. وهذه الفكرة الحديثة هي قيد بحث وتجربة حاليا في كثير من دول العالم. انما ما يميز هذا الكتاب هو انه يتناول هذا الموضوع بعيدا عن التحاليل النظرية الجافة. فهو يعرضه بطريقة مبدعة من خلال اسقاط هذه الفكرة على اهم المفاصل في حياة لولو شخصية الرواية بسلاسة واسلوب جميل، وكيف هكذا فكرة كانت لتغير من مجرى حياتها وترفع عنها الكثير من المعاناة. فكم مررنا .كبشر بمراحل صعبة كنا فيها بحاجة لمجرد دعم بسيط كي يغير طريق أليم الى واقع جميل.
وكما ان الكتاب يتنقل بكل فصوله بين الرواية والفكرة، كذلك يتنقل هذا المقال بفقراته. فمن فتاة عربية لعائلة بزواج ديني مختلط من منطقة ريفية لجأت بسبب العوز الى المدينة بعقلية محافظة حمَّلتها كفتاة مهام “مقدسة” كالعذرية والشرف والطاعة وكثير من السلوكيات التي يطلبها المجتمع من فتاة مثلها. فطاعتها وكانت كالملاك، بمجتمع يضج بالتناقضات الظاهرة والمخفية وإزدواجية الموقف والسلوك. وبزمن الحرب والفقر تجتمع في حياتها كل هذه العناصر لتصل الى هجرة العائلة لأميركا. ومع تفاعلها مع هذه الثقافة الجديدة تبذل جهدها بالمحافظة على تقاليد مجتمعها، مانية نفسها بذلك الحلم الجميل يوما ما، ربما كمكافئة تستحقها على حفظها لتلك المهام. وما كان من ذلك الزواج إلا أن يُظهر المزيد من النفاق والمصلحة والتمييز الصارخ بحقها كإمرأة، كإنسان ذو مشاعر. فما كان منها إلا أن تتمرد على كل ذلك الموروث الإجتماعي ألذي وثقت به يوما وطاعته فحطَّمها. تهرب بفقرها تبحث عن ذاتها مجددا في مجتمع ذو ثقافة جديدة، تتقاذفها أمواج الحياة القاسية بوجه الفقراء بالأخص. تتأرجح بين التشرد والإذلال والاستغلال كإمرأة، محاولة شق طريقها نحو تحقيق استقلاليتها وإثبات نفسها. وربما من خلال هذه الأحداث نستطيع أن نستشف ان ما يدفعنا الى خوض تجربة ثقافات أخرى هو فشل منظومتنا الإجتماعية بالأساس قبل أن يكون “وردية” هذه الثقافات الأخرى. لكن لولو بعد دفعها كل هذه الأثمان الباهظة يتسلل إليها الحب الذي طالما حلمت به وبرائحة من بلادها. لتعيش التصارع مجددا بين الإجهاض بسبب الفقر وحب الامومة، ثم تشاء الظروف بعد عسر الى إنتصار الحياة بالمولود وفرحها بالأمومة والأمل.
وتناقش الكاتبة كيف يمكن الراتب الأساسي تأمين وحماية حرية الفكر والإختيار. إذ ان الحاجة للأساسيات تضعف الانسان وتجبره على السير بطرق لا يريدها، منها الإستعجال في تزويج البنات، او سكوت العمال والعاملات عن الاستغلال او التحرش الجنسي، او دفع النساء الى الاجهاض رغم رغبتهم واستعدادهم للأمومة. كما يخلق أيضا شبكة أمان اجتماعية تقي المشردين من الموت المبكر بسبب سوء عيشتهم. مما يطرح تساؤلا مهما عن أي نوع من الحرية يمتلكها الفقراء والمهمشون من البشر؟ وهل هناك حرية فعلية بوجود “أغلال” المادة؟ بالاضافة الى الاثر الايجابي الذي تحدثه هذه الفكرة على صعيد رفع مستوى حقوق الانسان، حماية الفقراء وزيادة استقرار المجتمع، يعرض لنا الكتاب بعض من مشاهير الادب والفن الذين عاشوا سنين ليست بقليلة من عمرهم بظل نوع من راتب اساسي على صعيد فردي ساهم في اطلاقهم وزيادة انتاجهم الابداعي. منهم الاديب والمبدع اللبناني-الاميركي جبران خليل جبران من خلال ماري هسكل، والكاتبة الانكليزية فيرجينيا وولف عن طريق عمتها، والكاتب الاميركي تشارلز بوكوسكي عبر ناشر آمن بقدراته. فربما لولا هذا “الراتب الاساسي” لما وصلنا انتاجهم .بصورته الحالية.
*********
.نهاد ناصيف هي عربية-اميريكية، من أصل لبناني. تعرّف عن نفسها كإنسانية وملحدة وتقدمية.
عملت نهاد كفنانة تصويرية لفنانين بارزين مثل الفنان اللبناني الكبير مارسيل خليفة، وفنان هيوستن بيتر هايت. بعدها قررت أن تبدأ بكتابة وتصوير قصة حياتها عندما شعرت وكأنها سمكة خارج الماء في وظيفتها كمدرسة للمرحلة الابتدائية. فنظام التعليم الشمولي بصرامته وقيوده وتحكمه بالأطفال وبالمدرسين في كل تفصيل من يومهم، كل هذا دفع نهاد إلى إعادة النظر في العمل خارج المنزل.
كتاب نهاد ناصيف ، “إنسانية عربية”، هو لأولئك الذين يؤمنون أن الجميع يستحقون العيش بالحد الأدنى للكرامة في هذا العالم الغير عادل. من أجل تحقيق ذلك، تصر نهاد على أن “الراتب الأساسي للجميع” هو ضرورة وحق أساسي من حقوق الإنسان، الذي سيحمي الناس من .الاستغلال والمضايقة والعنف ضدهم.
بعض القضايا التي تتناولها “إنسانية عربية” تشمل حقوق المرأة والعذرية والحجاب في العالم العربي، كما تشمل الزواج المبكر وخدم المنازل والتحرش الجنسي والعنف الجنسي والعنف المنزلي والتشرد وحقوق الطفل وحرية الدين/او اللا دين والراتب الأساسي والعديد من القضايا الأخرى المتعلقة بحريات الإنسان والأمان وتحقيق الذات. الراتب الأساسي هو واحد من أهم القضايا التي ينادي به كتاب نهاد “إنسانية عربية” .لأنه قد يحل العديد من المشاكل الحرجة وبالتالي يوقف الكثير من الظلم في مجتمعاتنا والعالم بأسره.